تعارض
النصوص، ومفهوم الإجماع، في نظام الشركات الجديد
مع دخول نظام الشركات حيز
النفاذ، وبكل المتغيرات التي صاحبت أحكامه، كان لزاماً على كل من يتعامل بنصوص هذا
النظام، تحري الدقة والتمعن في ألفاظه ودلالاتها لفهم معانيه، ولا شك أن القاضي هو
أول من يجب عليه فهم النظام ومعرفة أصوله.
ومن أهم مستجدات نظام الشركات استحداث
شركة المساهمة المبسطة، ودعونا نطرح مسألتين قد تواجه إشكالاً للقضاء التجاري، المسألة
الأولى متعلقة بتفسير النصوص، والمسألة الثانية تتعلق بالتحول إلى شركة المساهمة
المبسطة.
المسألة الأولى:
متعلقة بتفسير النصوص
نصت الفقرة الأولى من المادة
الثانية والأربعون بعد المائة من نظام الشركات:
١"- تحدد
طريقة إدارة شركة المساهمة المبسطة في نظامها الأساس، ويجوز أن يتولى إدارتها رئيس
أو مدير أو أكثر أو مجلس إدارة أو غير ذلك. ويبين في نظام الشركة الأساس
طريقة تعيين من يتولى إدارتها، وعزله، وحدود سلطاته وصلاحياته وطريقة عمله.
وإذا خلا نظام الشركة الأساس من أحكام بهذا الخصوص، تولى المساهمون ذلك".
لما نص منطوق المادة على أن
النظام الحاكم في مسألة تعيين إدارة الشركة هو نظام الشركة الأساس، وعزله كذلك،
وما يهمنا هنا عزله.
يثور التساؤل:
ماذا لو تم تعيين مدير بموجب عقد عمل، وكان نظام الشركة الأساس ينص على أنه يمكن
أن يعزل المدير بلا سبب مشروع، كما لا يحق له المطالبة بالتعويض جراء هذا الفصل.
فهل يسري هذا الحكم بموجب النظام الأساس للشركة،
وفقاً للمادة (142)، أما تسري عليه نصوص أحكام نظام العمل؟
فقد نصت المادة (77) من نظام العمل
على أنه “ما لم يتضمن العقد تعويضاً محدداً مقابل إنهائه من أحد الطرفين لسبب
غير مشروع، يستحق الطرف المتضرر من إنهاء العقد تعويضاً على النحو الآتي :
١ – أجر خمسة عشر يوماً
عن كل سنة من سنوات خدمة العامل، إذا كان العقد غير محدد المدة.
٢ – أجر المدة الباقية
من العقد إذا كان العقد محدد المدة.
٣ – يجب ألا يقل التعويض
المشار إليه في الفقرتين (١) و(٢) من هذه المادة عن أجر العامل لمدة شهرين”.
كما نصت المادة جاء في م8 نظام
العمل
"يبطل كل شرط يخالف أحكام هذا النظام، ويبطل كل إبراء أو مصالحة عن
الحقوق الناشئة للعامل بموجب هذا النظام أثناء سريان عقد العمل، ما لم يكن أكثر
فائدة للعامل".
بعد استعراضنا لنصوص نظام
العمل مع الأخذ الاعتبار أن نظام العمل هو النظام المعني الذي يقرر الحقوق
والالتزامات، في العلاقات التعاقدية العملية.
وتأسيساً لما سبق، هل يمكن أن
نقول بأن هناك تعارض بين النصوص؟
قبل أن نجيب يجب علينا أن نعلم
ما هي شروط تحقق التعارض؟
1- الشرط الأول:
أن يكون الدليلان في درجة واحدة من القوة
والمقصود
بالدليلان هي الأنظمة ومراتبتها من خلال أداة الإصدار، وعليها يجب أن ننظر لمرتبة
كلٍ من نظام الشركات ونظام العمل.
نظام
الشركات: المرسوم الملكي رقم (م/١٣٢)
وتاريخ ٠١/ ١٢/ ١٤٤٣هـ.
نظام
العمل: المرسوم الملكي رقم م/٥١
بتاريخ ٢٣ / ٨ / ١٤٢٦ هـ.
فمن حيث
القوة فهما متساويان، إذ أن النظامين صادرة بنفس الأداة وهو المرسوم الملكي، هذا
يعني تحقق الشرط
2- الشرط الثاني: اتحاد الدليلين
في موضوع الواقعة ومحلها
حتى نتحقق
من وجود التعارض بين النصوص، يجب أن يتحد النصان في الموضوع، بحيث يحكم الواقعة
نظامان.
وهذا ظاهر
من خلال نصوص نظام الشركات ونصوص نظام العمل، وعليه فهذا الشرط متحقق.
3- الشرط الثالث:
وجود دليلين فأكثر
فمن شروط
التعارض أن يكون التعارض بين نصين نظاميين أو أكثر؛ أما في حال اللفظ الواحد الذي
لا يكون إلا في نصف نظامي واحد، فإن احتمال وجود أكثر من مفهوم له لا يعد تعارضًا.
ويتمثل
الدليل الأول في المادة 142 من نظام الشركات، والدليل الثاني في المادة 77 من نظام
العمل والمادة 8 من نظام العمل، وبالتالي فهذا الشرط متحقق.
4- الشرط الرابع:
وجود التعارض في دلالة النصين.
لما نصت
المادة 142 من نظام الشركات، على أن يبين نظام الشركة الأساس طريقة تعيين من يتولى
الإدارة وعزله، فإن هذا النص سمح للمساهمين بوضع الأسلوب الخاص بهم في الإدارة
وعزل المدير، فلو نص نظام الشركة الأساس على مخالفة نصوص أحكام نظام العمل وتحديدا
في الحقوق والالتزامات، وهذا هو مناط التعارض.
5- الشرط الخامس:
اتحاد الدليلين زمانًا
حتى لا يقع
التعارض، لا بد من اتحاد الدليلين في زمن واحد، أي أن يكونا في زمن سريان النص
النظامي، فإذا اختلف الزمان فلا تعارض؛ لأنه إذا تقدم أحد الدليلين وتأخر الآخر؛
فإنه لا يكون هناك تعارض؛ ليكون المتأخر ناسخاً.
وبالنظر
لنظام الشركات ونظام العمل، نجد الأخير سابق في الإصدار فقد صدر بتاريخ ٢٣ / ٨ /
١٤٢٦ هـ.، بينما نظام الشركات هو اللاحق وذلك لصدوره في تاريخ ٠١/ ١٢/ ١٤٤٣هـ.،
وعليه فإنه يظهر لنا فقدان الشرط الخامس، وإذا فقد شرط من شروط التعارض، فيكون
الحكم هو ارتفاع التعارض.
فيمكن
القول أن نصوص نظام الشركات مخصصة لعموم نصوص أحكام نظام العمل، وفقا لقواعد تفسير
النصوص، هو ما تم النص عليه في نظام الشركة الأساس.
ختامًا: لا
نعلم كيف سيتعاطى القضاء مع هذه المسألة، وماذا سيكون ترجيحه، لننتظر.
المسألة الثانية: تتعلق بالتحول إلى
شركة المساهمة المبسطة.
جاء في
المادة 220 من نظام الشركات: " يشترط لتحول
الشركة إلى شركة المساهمة المبسطة إجماع الشركاء أو المساهمين"،
هذا النص
بطبيعة الحال في غاية الوضوح فلا يوجد أي غموض قد يشوبه، ولكن يأتي السؤال من أين أتى
هذا النص، وهل يطبق كما نص في القانون المأخوذ منه؟
هذه المادة
مأخوذة بالنص من القانون التجاري الفرنسي :
Article L227-3: "La décision de
transformation en société par actions simplifiée est prise à l'unanimité des associés".
ما هو واقع
القضاء الفرنسي القضاء من مسألة الإجماع:
في الحقيقة يصعب في كثير من الأحيان الحصول على إجماع
الشركاء تحول إلى شركة المساهمة المبسطة نظرا لغياب معظم الشركاء عن الحضور للجمعيات العمومية فضلا عن رفض الأقلية في الموافقة على عملية التحول.
هذه الصعوبة دفعت القضاة الفرنسيين
إلى قبول تحول
الشركات إلى شركة المساهمة المبسطة بأغلبية الثلثين، شرط أن لا يؤدي قرار التحول
إلى زيادة الالتزامات المساهمين وألا ينطوي على وجود غش.
وعليه يثور تساؤل عن ماذا سيكون موقف القضاء السعودي في تحول الشركة في حال
لم يتحقق الإجماع فهل سيتمسك بالنص، أم ستراعى كما ذهب القضاء الفرنسي.
بقلم الباحث / عبد الهادي الشهري
المراجع:
1- أنظر:
Droit
commercial Sociétés commerciales, Philippe Merle, Anne Fauchon, DALLOZ, 2018.
2- النظام
القانوني لشركة الأسهم المبسطة Sociétés par actions simplifies، د.فاطمة رزق مصطفى.
3- أصول فهم
النصوص النظامية، د.خالد الخضير.
4- القانون
التجاري الفرنسي.
5- نظام
الشركات.
6- نظام
العمل.
7- الأحكام
القضائية الفرنسية:
Versailles , 24 fevrier 2005 ,JCP. E. 2005 , 809 ,Note Legros , JCP. E.
2007 ,1168 , obs .Caussain , Rev. Soc. 2005 , P. 697 , obs Urbain Parleni .
تعليقات
إرسال تعليق